كتاب محمد القبلي : تلخيص الجزء الثاني من كتاب الدولة والولاية والمجال في المغرب الوسيط

 

الدولة المغربية في العصر الوسيط

-        تطرق الكاتب إلى محورين أساسيين أولهما يتعلق بالعناصر المؤطرة للدولة الوسيطية كنتاج تاريخي ومسار،أما المحور الثاني فخصص لمحاولة الكشف عن مضمون الدولة ورصدها ككيان وتوجه عام وممارسة.

الشق الأول يتعلق بالعناصر المؤطرة لظاهرة الدولة المغربية ومسارها خلال العصر الوسيط، الدولة المرابطين والموحدية و المرينية و تأتي قبلهم دولة الأدارسة هي الدول الأربعة التي تمُل الدولة المغربية الوسيطة

-بالنسبة للوعي التاريخي الجماعي  نحن نعلم أن للدولة من الناحية التاريخية قد تختلف بإختلاف المناهج و القطاعات ،هده التحديات على إختلافها على أن الدولة تنظيم إجتماعي يرمي إلى ضبط العلاقات و حماية الأرض وضمان الاستقرار...المؤكد أن هذه الدول تمثل عينات مختلفة تلتقي رغم الإختلافتها عند الأخذ بالمركزية وما يتبعها من صراع و تعامل.

*ما يهمنا بالدرجة الأولى أن نسجل ضرورة تدارك البتر المتقادم عندنا لتتضح الرؤية و يكتمل مسار الدولة المغربية الوسيطية  التي نحاول التعرف عليها ، وأول مقتضيات هذا التوجه أن نضع نقطة البدء عند انتفاضة الخوارج بشمال المغرب 740م.

وقد استغرقت الفترة المعنية بموضوعنا ثمانية قرون و التي تنتهي عند منتصف القرن الخامس للميلاد.هذا في ما يتعلق بتحديد الفترة باختصار.

أما بالنسبة لكل من المجال المباشر المؤطر و المحيط ، كان من اللازم أن نشير بصددها إلى بعض الاعتبارات البديهية المعروفة يتعلق أمر هذا بمجال مباشر منصهر فيما أسميناه بالمحيط،هذا المجال الأوسع يشمل المغرب الكبير الممتد بين المحيط و التخوم اللبيبة-المصرية الحالية.و المعلوم أن الرقعة المغاربية كلها قد مثلت معبرا بشريا وقنطرة تجارية لامحيد عنها و ما وراء الصحراء طيلة هذه الفترة التي حددت أنفا.

و البديهة ثانية مرتبطة بأولى تتلخص في أن هذا الانصهار قد جعل من المجال المغربي الخاص مجالا غفلا طيلة حقبة الكيانات اللامركزية المتعددة.

·      كيف تتحدت المصادر عن هذا المجال بالنسبة للحقبة المذكورة؟

 الملاحظ أن تسمية المغرب الأقصى غير وارد عبر هذه الحقبة كلها حسب ما نعلم. كل ما في الأمر أن هناك وحدات مجاليه معرفة بالإحالة على القبيل المتغلب أو الأسرة الحاكمة أو الزعامة الفردية.

ü  أما المجال ككل غاب تماما كوحدة مرجعية طيلة هذه الحلقة اللامركزية.

-        متى ظهرت تسمية المغرب الأقصى التي لا زلنا نحتفظ بها إلى اليوم ،بالرجوع إلى المصادر المعاصرة التي وصلتنا، يمكن القول بأنها قد استعملت لأول مرة من قبيل الشريف الإدريسي في رحلته المشهورة نزهة المشتاق في منتصف القرن الثاني للميلاد.

لعل ما يؤيد هذه القراءة أن لتوحيد المجال المعني بهذه التسمية تاريخ محدد معروف يلتقي مع زوال الدولة اللامركزية بطبيعة الحال، وبما أن نهاية اللامركزية عندنا قد تمت على يد بناة الدولة المركزية المرابطية في منتصف القرن الحادي عشر للميلاد.

وكان من المعقول جذا أن تظهر التسمية على إثر ظهور ظاهرة متصلة بها ولم تظهر بالصدفة. لأن تسمية المغرب الأقصى جاءت نتيجة ظهور وضع جديد توحد من خلاله المجال الموزع بين عدة قوى.

مع هذه العملية ظهر كيان مرجعي سوف يزداد رسوخا مع الزمن، من أبرز مواصفات هذا الكيان أنه قد انعكس في شكل هوية سياسية مرتبطة عضويا بحضور الدولة المركزية الحاكمة.

ü  كإضافة ظهرت تسمية المغرب الأقصى تزامن مع ظهور تسمية المخزن

هناك ارتباطا وثيقا بين توحيد مجال المغرب الأقصى وتبلور الصيغة المركزية للحكم.

توحيد المجال معناه احتكار الشبكة الطرقية من قبل الجهة السياسة العسكرية التي تتزعم الغزو، وذلك أ، للطرق المغاربية دور فريد ومتميز.

الحركة المرابطية الوافدة  من أقصى جنوب الصحراء قد اكتفت بتتبع التجارة المتمركزة بمحطات القوافل عند غزوها لبقية مجال المغرب الأقصى،وهو الذي حكم بزوال الكيانات المحلية اللامركزية المنافسة.

·      استفادة الزعامة المرابطية من بسط سلطتها على الطرق المجاورة بالتدريج مما أسفر على احتكار المجال وتوحيده سياسيا.

نتائج أخرى بالنسبة الاحتكار الطرق هي الاستفادة المادية المباشرة من مداخل الطرق.

مركزة الدولة ليست مطلقة إلا في النادر لأن الدولة المركزية تقوم على سواعد جهات قبلية وزعامات الاجتماعية شتى تنتمي إلى العصبية المؤسسة وقد تكون جهات حليفة أو خادمة.

ونتيجة أخرى تتعلق بالتجارب المغربية الوسطية من مشاركة ذوي النفوذ ورجالات الدولة، كتعاطي التجارة مباشرة أو عبر شركاء مع الاستفادة في كل الأحوال.

*ابن خلدون وقف عند هذه الظاهرة وسلبياتها بالنسبة للنشاط الاقتصادي، نكتفي بالإحالة عليه لنلخص إلى نتيجة تتصل بالجدلية القائمة بين كل الدول و المجال الطرفي على مستوى أوسع ونعني الجهة المغاربية- المتوسطية بضفتيها الشمالية والجنوبية.

السيطرة على المحاور الطرقية بالمغرب أدت دائما إلى التوسع. 

يكفي استحضار الخطاطة الكبرى لمسار كل من الدولة المرابطين و الموحدية و المرينية تأكد دلك،كان هذا التوسع دائما في اتجاه الشرق و الشمال معا.

-        هناك عامل أخر يتلخص في أن ظهور الدولة المركزية التوسعية قد تزامن مع بداية تحول تاريخي موازي هم مياه الحوض الغربي للأبيض المتوسط ، ذلك لأن سيطرة الحضور الإسلامي على المياه قد بدأ تتراجع إبتداءا من القرن العاشر للميلاد مباشرة بعد انتقال الدولة الفاطمية إلى مصر.

§      بدأ هذا التراجع بضياع جزيرة صقلية و سقوطها في يد النورمان سنة 1060م، في نفس الفترة قامت الدولة المرابطية بفعل توحيدها المجال المغربي فيما بين سنتي 1053و 1070م.

في نفس مناسبة سقوط مدينة المهدية بإفريقية بالقطر التونسي الحالي و إحالتها من لدن النورمان أيضا سنة 1087م.

واكب هذا الحدث المريع بالنسبة للضفة المغاربية كلها كما ظهرت حركة الاسترداد بالضفة المقابلة  بعد استرجاع مدينة طليطلة من يد المسلمين قبل سنتين أي 1085م.

كان وراء هذا التحرك المسيحي أسباب داخلية و أرضية خاصة، وتأثرها بالأوضاع السائدة بالأندلس او بالشمال الإفريقي.

مما نتج عن هذا التوسع أو التدخل المسيحي التدرجي بالنسبة للدولة المغربية هو تغليب توسعها نحو الشرق تدريجيا.

و العلة في هذا هو التحكم في السواحل، إلا أن هذا الاختيار قد حكم بدوره بمسلسل من النتائج منها

*التوسع نحوى الشرق يقتضي حملات برية أو برية-بحرية طويلة المدى مما يجعلها عالية التكلفة أحيانا تنتقل الدولة كلها بقيادة الخليفة أو السلطان أو الأمر حسب الأنظمة لطول غياب الدولة عن المركزية أثر على إنظباط المركز و استقرار الأوضاع.

إن التبعية التي تفرضها العمليات التوسعية الطويلة المدى أدت إلى تدمر الجهات المعبأة جماعات و أفراد ،واغتيال الحاكم هنا أدى إلى التخلي مؤقتا على مشروع التوسع، ما أكد التوسيع في اتجاه المغربين الأوسط و الأدنى ظل هو القاعدة.وقد أدى إلى تفقد الأطراف بصفة دورية.

وهذا التفقد جعل من الدولة المغربية في هذه الفترة كلها متنقلة و متحركة باستمرار،كل هذا بالنسبة لمجموعة من الثوابت المترتبة عن علاقة بالمجال.

-أما عن المجموعة المتصلة بعنصر المشروعية، هذه المشروعية يمكن أن نعبر عنها بمشروع إصلاح مؤسس، يعني الدولة تقوم دائما باسم إصلاح أول أمر.

ونجد الدولة المرابطية قد قامت باسم مشروع إصلاحي يعتمد توجهات المذهب المالكي السني كما هو مشهور.

  

 

 

قراءة في زمن أبي محمد صالح

 

·      أشار الكاتب أن الزمن هنا ليس بالعصر بالمعنى العام المتداول وإنما هو الوضع الحياتي المتطور أي أن الزمن يقع ضمن إطار تاريخي محدد.

 -مهمة التعرف على أي زمن ليس بالشيء المتيسر, أما إدا كان الزمن زمن والي من الأولياء، فالمعروف أن المادة تتأثر بالهاجس لوعظني، و البديهي أن هذا الهاجس هو نفسه الذي يجعل من الخطاب نسيجا متقطعا يميل إلى إبراز الفترة النهائية المتوجة وربط كل المقدمات التعبدية و السلوكية بمرحلة الفتح وزمن الفيض و الكرامة.

-ينتج عن هذا بالنسبة للمؤرخ أن المادة مرتبطة بالوالي "الأصل" بمعنى أن الوالي من خلال نفس المادة يبدو كأنه منسلخ عن العصر و المناخ البيئي. تنغمس من خلاله المعانات اليومية و تهميش المحددات الآنية التي تنتج "الزمن"

-لأخذ فكرة عما نقصد إليه يمكن الرجوع إلى أقدم المصادر التي ترجمت للشيخ أبي محمد صالح دفين أسفي.

-على رأس هذه المصادر كتاب التشوف لأبن الزيات،يليه مما ذكر العبدري في رحلته حول ضريح الشيخ في القرن السابع الهجري، وكداك كتاب المنهاج الواضح لحفيدة الشيخ نفسه ومعه كتاب المقصد الشريف البادسي.

جميع هذه المراجع على اختلاف وتنوع فترات التي وضعت متفقة على علو مرتبة الشيخ و أحقيته وسعة صيته داخل المغرب بالمعنى الواسع و الشرق الأوسط الإسلامي .

*أهم المعلومات التي يمكن التقاطها بهذا الصدد:

-أولا: أن الشيخ قد ازداد سنة 550هجرية و توفي سنة 631 هجرية.

-ثانيا:أنه قام بالمشرق الإسلامي مدة 20سنة.

-ثالثا: استقر بمدينة أسفي بعد عودته من المشرق فمكث بها أربعين سنة متصلة قبل وفاته.

-ربعا: أنه تأدب أساسا على يد الشيخ أبي محمد عبد الرزاق الجز ولي دفين الإسكندرية.

خامسا: أنه قد عانى من معارضة الفقهاء بعد عودته من المشرق، لم يلبث أن تخطى هذه العقبة وتفرغ لشؤون التربية مركزا على الدعوة إلى التوبة و الخروج إلى الحج.

سادسا: أن علاقة السلطة الموحدين بأبي محمد صالح كعلاقة الشيخ بالسلطة قد إتسمت بالتنافر طيلة فترة الإقامة بأسفي.

سابعا: مجال تركز دعوة أبي محمد صالح مجال ينحصر في الجنوب الشرقي في بلاد المغرب الأقصى ويهم بالأساس مناطق درعة وتافيلات و أحوزار أي بالأطلس الشرقي وما حوله أي المجال الخاضع لنفوذ قبائل هسكورة.

*سوف نقتصر على أهم العناصر المتصلة بالإطار الموطن لحياة أبي محمد صالح.

مرحلة تكوينه بالمشرق ثم مرحلة نشاطه بالمغرب.

أولا:ولد الشيخ بعد قيام الحكم الموحدي بالسهول الغربية ببلاد المغرب الأقصى سنة 544 هجرية أي إثر استئصال القبائل البرغواطية و إضعاف قبائل دكالة عن طريق القتل والإغراق الجماعي في بحر المحيط.

ثانيا:فترة حياة الشيخ انتهت مع بداية الفعلية للوجود الموحدي بالأندلس وبلاد المغرب الكبير.

هل يمكن أن تكون صلة بين وضع سياسي جديد كهذا وبين ما سبق الإشارة إليه من توتر متطور في علاقة الشيخ المربي و المصلح بالحكام؟

هناك مجابهة و تحدي مكشوف بين الطرفين،وقد إحتبس أبي محمد صالح وأبوه على قيد الحياة في تلك الفترة بالذات.

ثالتا:حياة الشيخ كإطار زمني عام،تكاد تطابق حياة ولي أخر أندلسي شهير وهو محيي الدين بن عربي.هذا الأخير غادر الأندلس متجها إلى المشرق عبر بلاد المغرب سنة 598 هجرية،بينما عاد أبو محمد صالح إلى بلد أسفي قبل وفاته نهاية القرن السادس.

الاختلاف في الاتجاهين، هو أن أبا محمد صالح قد إختار القدوم لممارسة تصوفه العلمي الإصلاحي في حين فضل إبن عربي الابتعاد بتصوفه الداني النخبوي المتعالي توخيا لسلامة.

وراء هذه الوضعية الداخلية بالمغرب الإسلامي واقع المتوسط بصفة عامة.أخد هذا البحر في الخروج من قبطة الإسلام مند نهاية القرن الرابع الهجري كما هو معروف. ودلك رغم انتصار المنصور الموحدي بالارك سنة 591 واسترجاع بيت المقدس على يد صلاح الدين الأيوبي بالمشرق سنة 583.
وبالتالي هذه الفترة هي فترة انسحاب على مستوى البحر.

بالإضافة إلى هذا ما هو معروف من تردي العلاقات بين حكام الشرق وحكام المغرب كما إ،عكس في تدخل الأغزاز التركمانيين بالتخوم المصرية الإفريقية.

ترتب عنه رفض المنصور بالغرب الإمداد صلاح الدين ضد الغزاة المسيحين مما لا داعي لتفصيل في هذا الإطار.

المناخ الذي نزل فيه أبو محمد صالح عندما عاد إلى بلاد الأصلية.كان له دور بارز في بلورة الاتجاه المميز وتحديد الزمن.
فما هو هذا الاتجاه؟

تحدتنا عن محتواها لإجمالي دون أن نقف في الغالب عن مغزاه المرحلي الدقيق لأنه يتلخص بالنسبة إلينا في مجرد دعوة الناس للحج.

اتجاه الشيخ أبي محمد صالح أخد موقف المعارضة من بين فئة الفقهاء.

التنظيم الاجتماعي الذي أدخله لأول مرة الشيخ أبو محمد صالح إلى المغرب كما سنرى عندما عمد إلى تأسيس طائفة عرفت في بداية بطائفة المأجريين قبل أن تتسع لغير الماجريين من الحجاج فشتهرة بطائفة الحجاج.

وحتى تبرز هذه الخطوة التنظيمية وتتضح نسبتها إلى الشيخ يمكن الإحتفاض بالملاحظات الأولية يمكن رصدها في النصوص القديمة وهي:

1:  من أشهر هذه النصوص رحلة ابن قنفد القسيمطيني الذي وقف على قبر الشيخ أبي محمد صالح بأسفي ووضع شبه خريطة دينية للمغرب الأقصى في منتصف القرن الثامن الهجري. هذا المؤلف أول من إنتبه إلى ظاهرة الطوائف بالمغرب الأقصى.

فذكر أنها ست طوائف كبرى تتوطن كلها في الجنوب المغربي انطلاقا من نهر أم الربيع،طائفة الشعبين والتي تنتسب إلى الشيخ أبي شعيب الصنهاجي دفين أزمور.

طائفة الأمغارين التابعة للشيخ أبي عبد الله أمغار دفين عين الفطر،و طائفة المجاريين التي سبق ذكرها تنتسب إلى أبي محمد صالح بن ينصارن الدكالي. ثم طائفة الأمغارين لأبي زيد الهزميري، وطائفة الحاجيين أتباع أبي زكرياء الحاجي.

2:  نتسائل عن فترة ظهور التسمية أو التنظيم؟ هل ظهر هذا التنظيم مثالا قبل زمن أبي محمد صالح و أيام أبي شعيب الصنهاجي و قرينه أبي عبد الله 

أمغار و المؤلف المعاصر ابن الزيات التادلي مؤلف كتاب التشوف وهو مترجم لهدين الشيخين.

جمع النص سنة 617 هجرية قبل وفاة الشيخ بحوالي 10 سنوات إن لفظ الطائف غير وريد في هذا المصدر.

وحتى الشيخ أبو يغزى المعاصر للشيخين السابقين وتلميذ أبي شعيب الصنهاجي لم يلجا إلى تنظيم طائفة له.

قاموس التشوق كان يستعمل الفاظ تقنية خاصة بالتصوف الجماعي بالمغرب ك "الإخوان" "الزوار" ولفظ الفتوح و لفظ الرباط ولفظ الطائفة.

وبالتالي تنظيم الطوائف بعد عصر أبي شعيب و أبي عبد الله أمغار و أبي مغزي ولذلك نستنتج أن نسبة هذا التنظيم إلى الشيخ أبي محمد صالح.

3:  التادلي تصل شخصيا بأبي محمد صالح وتعرف على الدعوة وهي الحث على الخروج إلى الحج.

4:  الترجمة المفضلة التي حررها أحد حفدة شيخ أسفي لجده ونقصد كتاب المنهاج الواضح في تحقيق كرامات أبي محمد صالح كان يسعى إلى تحقيق كرامة جده بالمعنى الأكاديمي.

5:  مؤلف المنهاج يتحدث بصفة تلقائية عن الفقراء فقراء صنهجة وفقهاء جلاوة وفقهاء سجلماسة..... مما يوحي بأنه كان للرباط في عصر مؤسسة أتباع موزعون سموا بالفقراء وقد يستعمل المؤلف لفظ الخديم و لفظ المقدم.

-        لفظ الحجاج استعمل للدلالة على مجموعة دينية منظمة ما يكون اسم طائفة الحجاج مرادف مند زمن أبي محمد صالح.

الأوضاع العامة لم تكن تدعوا الارتياح بالنسبة إلى الشرق الإسلامي أبان دعوة أبي محمد صالح و تحريضه على الخروج إلى الحج في مطلع القرن السابع للهجرة.

دلك أن التصدع الذي أحدثته هزة العقاب سنة 609 للهجرة لم يكن ليقف عند جهاز الدولة الموحدية الحاكمة الإمتداد إلى المجال المحكوم وغدة مسراحا للتحركات القبلية المهددة لنشاط الطرق.

الشيخ بأقصى الغرب يدعو إلى الخروج إلى الحج و اختراق كل هذا المجال المهدد نحوى الشرق.

وهي الأرض بين إفريقية وأرض مصر، أخطر المناطق من حيث تواجد المحاربين وقد سجلت ظاهرة إيجابية جديدة نسبيا وهي ظهور الزوايا فيه ناس من أهل الذين و الإصلاح.

تكونت شبكة واسعة تغطي رقعة المغرب الإسلامي بأجمعها و تؤمن الطريق إلى الشرق و تساعد للوصول إلى بلاد مصر الشام.

-        بالنسبة للموقف العدائي للفقهاء من الشيخ قضية قد لا تتعلق في الغالب بمجرد إنكار لطريق التصوف وقد ظهرت الحقيقة بالنسبة فقهاء المغرب في مطلع القرن السابع للهجرة فهي ليست سوى طريق التصوف و إنما هو الأسلوب أو ما يشبه التنظيم مما قد يؤدي إلى حملة إنكار عارمة استطاعت أن تقسم فقهاء الأندلس وبعض فقهاء المغرب في الثامن الهجري أمام استفحال ظاهرة المشيخة الصوفية وتعدد الطوائف.

أما بالنسبة لموقف الحكام فواضح أن الأمر يتعلق بما يسمى بصراع النفوذ والرغبة في الاستحواذ من طرف العاصمة.

خصوصا أن التنظيم كان موجه من طرف شيخ أسفي نحوى تامين طريق خرجت معظماها من يد الحكام. بحيث كثر المتطلعون إلى الاستقلال و الضغط على الخلافة القائمة بمراكش.

مجال نفوذ حركة آبي محمد صالح يلتقي مجال جغرافيا ومجال نفود قبائل هسكورة في وقت الشدة بالنسبة للحكام.

لم يكن التقاء الحركة الهاسكرة مجرد تحالف ظرفي وإنما كان من العمق و أصبح الهاسكرة الكلمة في اختيار الحلف بعد موت الشيخ المؤسس حسب بعض فقرات المنهاج.

يمكن اعتبار الالتقاء طائفة دينية متصوفة مع تحالف فعلي من وجهة نظرنا لا يقل أهمية عن بدعة الطائفة لم يسبق لمجموعة قبلية أن ارتبطت بمصير طائفة خارجية. يمكن تؤخذ هذه الظاهرة من بعدها التاريخي المتطور على أنها ما يسمى "تسرب" هاجس الولاية إلى وعي عصبية تتحرك بمحض ذينامكياتها الداخلية.

نتائج هذا التسرب قامت على المدى البعيد حركات قبلية صوفية كحركة الأشراف السعديين ثم حركة السملاليين و الدلائيين والأشراف العلويين.

  

3-التموجات الدينية-الاجتماعية و مشروعية سلطان الدولة بالمغرب الأقصى الوسيط

*قضية المشروعية في تصورنا للسلطة هي أداة من أدوات الوضع القانوني لنفس السلطة.بالنسبة للمغرب الأقصى الوسيط أن أداة المشروعية قد نصبت على رأس وسائل التعبير من قبل الجهات الناطقة بإسم الدولة.

بالنسبة للفظ المشروعية يحيل على نتاج متحصل من عدة قوى أخرى ودالك لإضفاء المشروعية على عملية الغزو التي تقوم بها،لتحقيق هذه المشروعية بالنسبة للمنظومة الإسلامية فأنه لا مناص أن يتشح الغزو بوشاح الإصلاح و الجهاد مجتمعين في نسق واحد.

-من هنا تأتي العلاقة المؤسسة القائمة ما بين هذين العنصرين و المشروعية الحكم المتداول بين الأخر. جميع محاولات الإصلاح بما فيها التي تعتمد على الجهاد بصفة قارة ممنهجة قد مالت إلى احتكار السلطة ببلاد المغرب الأقصى.

-الرغبة في الحصول على المشروعية تقتضي أن يتعلق الأمر بحكم يحمل لواء الإصلاح و يسعى في نفس الوقت إلى الغزو المركزة على حساب بقية الكيانات.

نموذج النظام الذي اجتمعت فيه هذه الصفات هو المغرب الأقصى الوسيط. وأمر يتعلق بسم المخزن بمعناه الاصطلاحي .ذكر اسم المخزن لأول مرة في مذكراته البيدق بعنوان كتاب الأنساب.

-هل معنى هذا هو أن ظهور الدولة المركزية بالمغرب جاء متأخرا؟

الواقع أن ظهور هذا النوع من الدول رهين بتوفر أرضية محددة يجتمع فيها التنوع و الانصهار.

-تسمية المغرب الأقصى  تبدوا و كأنها شائعة الاستعمال حسب ما بينه الجغرافي الإدريسي في كتبه. نفس المؤلف وضع الموطن الأصلي لتنقلات قبائل صنهاجة  المرابطين ضمن الرقعة المنعوتة بمصطلح المغرب الأقصى.

الرقعة المجالية المسمات بالمغرب الأقصى قد ولدت شكلها الاصطلاحي الأول بميلاد الدولة المرابطية في منتصف القرن 16م.

-الإطار الزمني فيما بين قيام الدولة الدولة المرابطية و بزوغ فجر الدولة السعدية في غضون النصف الأول من القرن 16م

-ماهو الخط الذي سارت عليه مشروعية السلطة بالمغرب الأقصى؟

نعلم أن الدولة المرابطية اختارت التموقع بدون أدنى تحفظ داخل المعسكر السني المالكي المتأقلم بعين المكان. الدولة المرابطية بدأت بيعتها للخلافة العباسية ببغداد تحت تأثير علماء المالكية بأندلس فحصلت على الاعتراف هده الخلافة ومباركتها للأعمال الجهادية لابن تاشفين عندما دعمت هذا الأخير بلقب من ألقاب الإمارة.

اقترن هذا الدعم بالحصول على مراسلة التزكية من الإمام الغزالي.

-قامت دولة المصامدة الموحدين في منتصف القرن 12م،تأسست على يد أتباع بن تومرت فتم تتقدم ببيعتها لأحد على الإطلاق و إنما جهزت بالخلافة لنفسها من الأوائل فلم تتردد بحكم موقفها هذا في التطلع إلى الإستلاء على الديار المصرية و ما وراءها بكامل الثقة و الوضوح. أما المشروعية الانتقائية التي اعتمدتها نفس خلافة الغرب، قام أساسا على التوحيد الإعتزالي المشرب بنظرية المهدوية الشيعية تشددا.
الدولة المرينية برزت إلى الوجود و أنجزت خطوتها السياسية الأولى كدولة خادمة للحفصيين غداة أن استقل هؤلاء بتونس و نصبوا أنفسهم ورثة شرعيين للخلافة الموحدين بمراكش بعد أن إعتبروها مخلة للشروط.

- ومع دلك تخلص المرينيون من تبعيتهم الأولى بمجرد ما أحسوا من نفسهم القدرة على الابتعاد فمالوا مع السنة وحملوا لواء المالكية و حرصوا على التشبث برعاية الشرف الإدريسي إلى أن أتيحت لهم فرصة التطلع إلى الخلافة الحفصية الراعية بتونس، ودالك مع منتصف القرن الرابع عشر للميلاد أيام أبي عدنان.

*أما حكم السعديين قد بدا بالإرتكاز على التقاليد المهداوية المنبتة عبر الجنوب عند قيامه في مطلع القرن السادس عشر.

لقب أمير المسلمين لقب حكم المرابطين مند صدوره عن الخلافة العباسية ببغداد بينما نجد العاهل الموحدي قد أنعم على نفسه بلقب أمير المؤمنين فتصرف بدالك تصرف كل خليفة مستقل لولا أن المقصود بالخليفة المهدي دون غيره. أي خليفة ابن تومرت الدي انفرد بالإحالة على المهدوية.

*أما المرينيون قد عادوا إلى استعمال لقب أمير المسلمين باستثناء أبي عنان مند أن أعلن تبوئه مقام الخلافة و تلقب بأمير المؤمنين.

محمد الشيخ الذي يعتبر أول من مارس الحكم حقيقة من بين ملوك الدواة السعدية. تبنى القاموس بدون تردد عندما إختار لنفسه أن يجمع بين لقب الإمام ولقب المهدي، بينما اكتفى ملوك السعديون بعده بمرتبة الخلافة ولقب أمير المؤمنين شأنهم في دلك توارث الحكم من بين الموحدين عن ابن تومرت.

_كل هذا التأرجح بين المراتب و الألقاب يمكن الخروج ببعض عناصر الإجابة على قراءة الاستطلاعية يبدوا أن هذا العنصر انحصر في ما يلي:

أولا: التعرف على زمن ما قبل المرابطين من خلال ما هو مثبت في كتب الرحلات التي تعرضت لنفس هذا المجال الذي سوف يطلق عليه اسم المغرب الأقصى

-قبل أن نعتمد هذه الإضاءة الشرعية على هذه الدولة المركزية أو تلك في انتظار أن يتم وضع الخريطة الدينية السياسية بالمغرب.

-نكتفي بتسجيل تساكن التيار السني في صيغة المالكية و الحنفية و تيارات كل من الخوارج المعتزلة و الشيعة الإمامية وكذا تيار الادارسة الذي اعتبر من فصيلة معتدلة الشيعة الزيدية في الأوائل، تم تأثير بتيار المهدوية الإمامية.

إن لم يكن قد تدرجه نحو مذهب الإسماعيلية حسب ما تبين من خلال المسكوكات النقدية و اعتبار لما تؤكده الألقاب الملوكية المستعملة من قبل الادارسة بالأندلس إلى جانب لفظ الفاطمي عموما إلى جانب حفيدة إدريس.

الإشارة البعيدة لإسم إدريس تظاهرة الشرف بمعناه التبركي قد تجلت حسب ابن حوقل في دلك الرخاء المتجدد التي كانت تنعم بيه مدينة فاس على امتداد القرن الرابع للهجرة.

ثانيا: بالنسبة لهذا النوع من الشرف التبركي السابق لظهور التسمية و المصطلح يمكن أن ننبه إلى المكانة المركزية الخاصة التي يتبنأها ضمن كتاب الشفاء كلما وضعها القاضي عياض من مشاهير الفقهاء فترة حكم المرابطي.

مما صادف انتساب ابن تومرت نفسه لسلالة إدريس و كدا تأرجح تلميذه عبد المؤمن بين التطلع إلى نفس السلالة و الاكتفاء بمجرد الانتساب للقريشية وعلى أخر فإننا نعلم أن ملوك السعديين قد رفعوا نسبهم إلى فرع يدرجهم ضمن العمومية الإدريسية.

المرينيون اكتفوا بإقامة مؤسسة الشرف بمعناه الديني الاجتماعي السياسي المنظم. وقد تبين أن الشرف عنصر منشط بالنسبة لمشروعية الحكم.

ثالثا: اتسمت مشروعية الحكم بالمغرب الأقصى الوسيط بشدة و الحرص على استقلاليتها التامة على مستوى الفصل  و الممارسة و على مستوى المبدأ و القانون فإن المشروعية المرابطية شدت وحدها عن القاعدة.

بمعنى السلوك الرسمي لمؤسسي المغرب الأقصى إزاء خلافة بغداد.

المشروعية المنوهة بها قد ارتبطت بظاهرة الاستقلالية الراسخة بالمغرب تجاه الخلافة القائمة بالمشرق.

رابعا: هناك سمة أخرى تتعلق بازدواجية طبيعة الجهاد بمعنى أن هذا الركن المؤسس للمشروعية بالمغرب الأقصى قد تضمن بانتظام.

و الواقع أن ثنائية هذا التوجه الجهادي أمر مؤكد بالنسبة لكل من دولة السعديين و دولة المرينين- الوطاسيين وكدلك بالنسبة للموحدين ومن قبلهم المرابطين.

-الدولة المرابطية و الدولة الموحدية لو يلجا إلى اشتقاق الاسم الدال على كل منهما أن تحيل في الاشتقاق الاسم الذي اشتهرت به على مرتكز عقدي صرف.

المرابطين إختروا مرتكز "الرباط" و الموحدين اختاروا مرتكز التوحيد بغية تبرير القيام في كلتا الحالتين لدى الأتباع من اعتماد مرجع العقيدة و الانصهار ضمن المشروع التاريخي لأشمل لرسالة الإسلام.

خامسا: هذا التميز يحتم علينا أن نعزل حقبة الدولتين المرابطية و الموحدية عن باقي الحقب الأخرى. عزل هذه الحقبة لأنها مثلت حقبة تصفية و انتقاء للفسيفساء العقدية التي كانت سائدة من قبل و بهذا تكون المشروعية في الشق الأول المرابطي تميزت بالمرجعية السنية المالكية المجددة.أما بالنسبة للشق الموحدي اختارت إشباع "الرغبة " على النفور من نموذج الحكم الموحدي.

الرفض الرسمي من طرف الخلافة الموحدية المهدوية التومرتية فلم تعبأ بالتبرؤ من إمامة ابن تومرت سنة 1626م.
- سادسا: انطلاقا من الحقبة السالفة الذكر تحولت المشروعية المرينية إلى مرينية وطاسية. سوف نتعامل مع واقع مالكي صوفي دون أن تغفل التوترات الظرفية الناجمة عن صمود المهدوية المدعومة من قبل الخلافة الحفصية القائمة بتونس.

      -المرينيون وضعوا أنفسهم رهن إشارة الخلافة الحفصية و دخلوا في خدمة مشروعيتها كاغعن عليهم أن يبادروا إلى الإحكام القبضة على كل من سجلماسة و منطقة الشمال مباشرة بعد إخضاعهم مدينة مراكش. دشنوا مقاربة أخرى للمشروعية كما إرتأها لأنفسهم و كما رسمتها سنة 1276م. كانت لهذه المقاربة البراغماتية أرضية جمعت بين الجهاد و النفوذ الجماعي المرتبط بمخلفات التشدد الجماعي.